«العشيرة» بميزاب

نظام اجتماعي لتسيير حياة الأفراد وحفظ حقوقهم  

 التكافل صـورة حقيقية لنظـام وجد لتقويـة روابـط المجتمـع الواحـد

تعد العشيرة بميزاب أساسا متينا لحفظ المجتمع واحتوائه، وهو تنظيم من التنظيمات التي أنشأها المزابيون لتسيير وتنظيم حياتهم وأمورهم بشكل يحفظ حقوقهم ويبين واجباتهم على الصعيدين الفردي والاجتماعي، والعشيرة تتشكل من مجموعة عائلات تنتمي إلى جد واحد وتربط بينهم أواصر القرابة والنسب.
وللعشيرة إدارة تسهر على تسيير شؤونها، وتتكوّن من مشايخ وكبار يتصفون بالعلم والتقوى والحكمة، وهذا المجلس يختار رئيسا له يكون رئيسا عامّا للعشيرة، ويجتمع هذا المجلس مرة في الأسبوع أو نصف شهر حسب كل عشيرة بشكل دوري ومنتظم لدراسة الأمور المستجدّة وإيجاد حلول لمشاكل أفرادها، من إصلاح بين المتخاصمين أو ترتيب مواعيد الزواج أو رعاية أيتام وما إلى ذلك.
ولكل عشيرة في مزاب دار هي ملك لها، تبنيها ممّا تجمعه من تبرّعات أبنائها، وتقام فيها التجمعات الخاصة بها مثل لقاءات المعايدة في العيدين وحفلات الأعراس لأبنائها وتعقد فيها أيضا اجتماعات مجلس الإدارة، ومجالس قراءة القرآن عند وفاة فرد من أفرادها، ومختلف النشاطات الثقافية والعلمية والاجتماعية، وبالتالي فإنّ أيّ اجتماع يخص أبناء العشيرة، أو عامّة أفراد البلدة يقام في هاته الدور، وقد أقيم نظام العشيرة ليقوم بعدة مهام نذكر منها:
رعاية الأرامل والأيتام: لا يخلو أي مجتمع من هاته الفئة التي تبقى دون راع ولا كافل، وتعاني من الفقر والحرمان، لكن العشيرة بمزاب تتكفل بهم وتقدم لهم يد العون والمساعدة وتعين لهم وكيلا يهتم بشؤونهم، من مأوى وملبس وتعليم وكل ضروريات الحياة التي تضمن لهم العيش الكريم كسائر الأسر.
تنظيم الأعراس والمآتم:
تقام الأعراس والأفراح في دار العشيرة بشكل جماعي من تنظيم مجلس الإدارة، بحيث يتكفل أحد الميسورين بتكاليف العرس من أوله إلى آخره، بهدف تحصين الشباب ومساعدتهم على إكمال نصف دينهم، في جو من التكافل والتضامن قلّ نظيره، كما أنها تنظم مراسم العزاء من تلاوة قرآن وتوزيع الصدقات في حالة وفاة فرد من أفراد العشيرة.
تصفية التركات وحل الخلافات:
 تقوم العشيرة بتصفية تركة الميت بين أهله بتقسيم شرعيّ عادل وبتراضي الجميع، كما أنها تعمل على حل النزاعات وإقامة مجالس الصلح بين المتخاصمين دون اللجوء إلى المحاكم ودور القضاء، كما أنها تعمل على التعاون لدفع دية قتل الخطأ.
الحملات التطوعية:
تنظم العشيرة حملات تطوعية بالتنسيق مع حلقة العزابة وتكون هاته التطوعات في المشاريع الخيرية والوقفية التي يستفيد منها كل فرد من المجتمع مثل جني تمور المسجد، والأعمال العامة للبلدة.
المرافقة التربوية:
لأن التعليم أساس نهضة المجتمعات، تحرص العشيرة على متابعة سير تعليم أبنائها ومرافقتهم، لضمان النتائج الحسنة لهم، وإقامة تكريمات سنوية للمتفوقين منهم ذكورا وإناثا وفي كل الأطوار، لتشجيعهم ودعمهم على مواصلة طلب العلم والسعي لتحصيله.
وتفتح العشيرة دارها لكافة أفراد المجتمع لإقامة وتنظيم أنشطة ثقافية وترفيهية من ندوات ومحاضرات وأيام دراسية، وقد احتوت هاته الدور العشرات من التظاهرات الثقافية في مختلف المناسبات والاحتفالات، وقد لعبت دورا مهما إبان الثورة الجزائرية إذ كانت مراكز اتصال وإقامة للمجاهدين والثوار الوافدين إلى ميزاب لجمع السلاح، ولتسليم رسائل أو لعقد اجتماعات وجلسات.
إن العشيرة هيئة من الهيئات العرفية التي تنظم المجتمع الميزابي، وهو كيان يحوي جميع الجوانب التي يحتاجها الفرد في حياته، ويسيّرها شيوخ من كبار المجتمع ويبذلون من نفيس جهدهم ووقتهم دون أخذ دينار مقابل ذلك إيمانا منهم بأن التضحية والوفاء بالأمانة لازمان على كل فرد من هذا المجتمع لدوام التماسك والترابط والحفاظ على أواصر المحبة والتضامن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024